الخميس، 17 سبتمبر 2015

مشكلة التشفير

ثورة الإتصالات التى نعيشها كلها قائمة على فكرة التشفير فمنذ أن اخترع صاموئيل موريس التليغراف ونحن نستخدم هذه الفكرة البسيطة بأشكال أكثر تطورا فكانت النتيجة هى التليفون  والراديو والتلفاز والكمبيوتر والفاكس وآلات الطباعة والأقراص المدمجة و كل شيء حولنا تقريبا
والقضية ببساطة هى أن تحدد مرادفات أو أسس النظام الذى تريد تشفيره  ثم ترمز encoded  لكل واحد منها برمز خاص وفقا لقاموس معين تحدده أنت ثم ترسل تلك الشفرة بوسيلة سريعة  (موجة كهرومغناطيسية ) إلى الشخص المستقبل وهذا كله بعد أن تتفق معه أو تخبره مسبقا بالقاموس الذى اتبعته فى التشفير لكى يتمكن من فك الشفرة de-coding 
وهذه صورة قاموس شفرة موريس الشهيرة

فلو أرسل لى أحدهم رسالة بهذا الشكل (· · · – – – · · ·) وأنا لا أملك قاموس شفرة موريس فلن تعنى لى هذه الرسالة أى شيء أو قد أفهمها بشكل خاطئ على أنها سخرية أو ما شابه ,لكن إذا كنت أعرف شفرة موريس فسأفهم أن هذه الرموز تعنى (sos) وهى اصطلاح معروف يعنى انقذوا حياتنا Save Our Souls 

 الخلاصة : أنه ليس هناك قيمة للنص بدون وجود قاموس ثابت متعارف عليه بين الراسل والمرسل إليه
وكما هو معروف فالدى ان ايه يلقب علميا Genetic code فهو نظام تشفيرى بلا شكل بل إن حواسنا الخمسة عبارة عن نظم تشفيرية أيضا فطبلة الأذن تحول الموجات الصوتية إلى حركات ميكانيكية مختلفة ثم يتم تشفيرها من قنوات مختلفة الأطوال إلى  عدة ترددات  فى الأذن الداخلية و من ثم تحويلها إلى موجات كهرومغناطيسية مختلفة التردد يترجمها المخ على النحو الذى نعرفه من الأصوات التى نسمعها



 وبنفس الطريقة تعمل حاسة الشم والتذوق والإبصار واللمس 

فالنظم التشفيرية فى كل شيء فى أجسامنا وفى الكائنات الحية من حولنا 
والسؤال الآن هو :
لو فرضنا امكانية تكون النظم التشفيرية بطريقة عشوائية ولو فرضنا أنه لم يتدخل أحد فى كتابة النص المحفوظ فى كل كائن حى genotype و انه كذلك لم يتدخل فى فهم مدلول هذا النص phenotype وأن كل هذا حدث بشكل توافقى عفوى بدون أى قصد من أى طرف وأنه يحدث وفقا لآليات نظرية التطور المعروفة فكيف تمت عصمة القاموس طوال هذه السنين فى وسط تضربه الطفرات من كل اتجاه ؟ وإذا كان لم يعصم فأنى للإنتخاب الطبيعى أن يتقدم خطوة واحدة بعد ذلك لأن عمله سيكون كمن يفقد عقله وصوابه صباح كل يوم فيصير مجنونا لا يفهم شيء مما حوله ؟

فقوانين الوراثة حفظت النص لكن لا يوجد آلية تضمن حفظ القاموس نفسه الذى سيتم ترجمة النص وفقا له 


فى الحقيقة هذه فى نظرى حجة جيدة من حجج التصميم الذكى  ينبغى التنبه لها  وأول من لفت نظرى إليها هو الأستاذ عبد الواحد فى منتدى التوحيد فى هذا الموضوع 



لكن هناك سؤال هام يطرح نفسه وهو : هل يمكن أن تكون الشفرة الوراثية مجرد وهم والحقيقة أن هناك حتمية كيميائية أو فيزيائية هى التى دفعت الأمور فى هذا المسار ؟

نحن نعلم أن هناك 20 إنزيم من ( aminoacyl-tRNA synthetases (aaRSs  وكل واحد منها مخصص بحمض أمينى معين من العشرين حمض أمينى المستخدمين فى انتاج جميع البروتينات فى الكائنات الحية , لكن هذا لا يمكن أن يفسر نشأة وعمل الشفرة الوراثية بطريقة كيميائية حتمية لأن  الأحماض الأمينية اليمينية واليسارية تحمل نفس التركيب الكيميائى وبالرغم من ذلك فالأحماض اليمينية  D-amino acids غير مشفرة ولو كان هناك حتيمة كيميائية لوجب على الكودون أن يرتبط  بكلا النوعين لتطابقهما كيميائيا  لأن القواعد النيتروجينية الثلاثة فى الكودون لها تركيب كيميائى واحد  والحمض الأمينى له تركيب كيميائى واحد فلو كانت حتمية كيميائية لوجب وجود الإنزيم اليمينى واليسارى  وليس أحدهما فقط  
ومرة أخرى نسأل هل  تخصيص  الأحماض الأمينية بشفرات معينة على الكودونات هو نتيجة العودة إلى قاموس لغوى تشفيرى أم هى حتمية كيميائية أو فيزيائية ؟ 

هذه الورقة مثلا تستعرض كل النظريات التى عالجت هذه القضية منذ اكتشاف الدى ان ايه وحتى يومنا هذا و تنتهى بقول أن هذا السؤال (why is the genetic code the way it is and how did it come to be?) مازال من من أعقد الأسئلة التى تواجه علم الأحياء ويبدو أننا سننفق خمسين عاما أخرى غير الخمسين الماضية لحلها . ومما استعرضته نظرية الحتمية الكيميائية stereochemical theory و تقول أنه لا يمكن ارجاع الأمر إلى الحتمية الكيميائية أو الفيزيائية لأن هناك أحماض أمينية كثيرة لها أكثر من كودون فمنهم من يصل إلى ستة شفرات لنفس الحمض الأمينى


 وهذا يخالف فكرة الحتمية الكيميائية وكذلك هناك أحماض امينية غير الحيوية
العشرين المعروفة التى تدخل فى تركين البروتين فى الكائنات الحية تم ادراجها فى تجارب عملية داخل الخلية مع بعض الهندسة الوراثية وحصلت على أكواد تشفيرية مثل ما قام به هذا البحث

كذلك أشارت إلى وجود القواميس المختلفة للقاموس العام المعروف (Standard genetic code) وهذه قائمة بتلك القواميس وهى شائعة فى الميتوكوندريا وهذا هو سبب اعتبارها كائن متكافل مع الإنسان وغيره من الكائنات الحية وليست جزء منهم . ووجود أكثر من قاموس و بالتالى أكثر من طريقة لفك الشفرة يبين بوضوح أن القضية ليست حتمية كيميائية أو فيزيائية وإنما هى شفرة ولذلك اقترح فرانسيس كريك منذ أربعين عام نظرية ( frozen accident) وهى أشبه بكونك اخترت 64 اختيار عشوائى من أصل 84^10 احتمال ثم جمدت الباقى و جعلتها قانونا !!! والمقالة تشير أيضا إلى أن أسئلة مثل: لماذا تم تعيين أربع قواعد نيروجينية وليس أكثر أو أقل ؟ ولماذا الكودون محدد بثلاثة فقط ؟ ولماذا اقتصر على 20 حمض أمينى فقط ؟ هى أسئلة مشروعة تماما وبحاجة إلى البحث لها عن إجابة فأين احتفظت الكائنات الحية بهذه القاموس وكيف تمت عصمته وكيف تم تعيينه بدون حتمية مادية تقوده ؟

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate